ضيف (مركز حرمون للدراسات المعاصرة) اليوم، الباحث والسياسي بسام القوتلي، المختص بـ “قانون الهجرة وإدارة النزاعات”، من كندا. وهو مدير مؤسسة بحثية تعمل في مناطق النزاعات، ومؤسّس ومدير مكتب العلاقات في “حزب أحرار – الحزب الليبرالي السوري”، الذي يهدف -بحسب ما جاء في موقعه الإلكتروني حول الرؤية السياسية للحزب- إلى الوصول إلى دولة سورية عصرية موحدة، تتبنى القيم والنظم الديمقراطية والشرعة الدولية لحقوق الإنسان، والمواثيق والاتفاقيات الدولية التي تضمن الحريات، وتلتزم بالعلمانية كمبدأ أساسي يصون حيادية الدولة تجاه مختلف مكوّنات الشعب السوري..”.
هنا نص الحوار مع ضيفنا:
بداية، أرجو أن تعرّف قراء (مركز حرمون للدراسات المعاصرة) على “حزب أحرار – الحزب الليبرالي السوري”، والدور الذي يؤديه في المشهد السياسي السوري في المرحلة الراهنة.
أُسس “حزب أحرار” في بداية هذا العام 2020، وهو حزب تحرري اجتماعي يرى الحريات في المناحي السياسية والاجتماعية والسياسية كلًّا لا يتجزأ، وفي الوقت نفسه يرى مسؤولية للدولة في حماية المواطن من الفقر والحاجة، وفي تأمين فرص متساوية للجميع من أجل إطلاق الإبداع. الحزب شبابي الطابع، لأنّ أكثر من نصف أعضائه تحت عمر 35 سنة. ويُعنى بالمشاركة النسائية، إذ حقق عضوية نسائية بمستوى الثلث، وثبت وجود النساء في القيادة بمستوى النصف. رئيسة الحزب الحالية امرأة تمثل فعليًا طروحات الحزب وتوجهاته.
دخول الشباب في السياسة وإعادة النساء لها من أولويات الحزب، كذلك الدفاع عن الفئات المهمشة، والدعوة إلى ديمقراطية تحترم الحريات والتعددية بدلًا من ديمقراطية الأغلبية التي قد تتحوّل إلى دكتاتورية الأغلبية.
يحاول الحزب طرح طرق جديدة في العمل السياسي، في لغة الخطاب، وفي الانفتاح على الآخر المختلف.
استنساخ الحل العراقي غير ممكن
من منظورك، كيف تقيّم مسار الحوار الكردي – الكردي، الذي يتمّ برعاية أميركية، وما رأيك بما جرى الاتّفاق عليه حتى الآن بين زعامات القوى الكردية شرقي الفرات؟ ومن ثمّ كيف ترون آفاق ومستقبل القضية الكردية بشكل عامّ؟
أيّ حوار سوري – سوري مرحب به، نحن نفتقر إلى ثقافة الحوار، حتى حين نلتقي نحن نميل إلى الحلول الصفرية.
شخصيًا، أتمنى أن يصل الحوار الكردي – الكردي إلى إبعاد العناصر والولاءات غير السورية عن الساحة، وأن يعمل على إيجاد حل سوري للقضية الكردية في سورية، إذ إنّ محاولات استنساخ الحل العراقي في سورية غير ممكنة، لاختلاف الوضع الجغرافي والديموغرافي للكرد في سورية عنه في العراق.
القضية الكردية قضية وطنية بامتياز، ويجب علينا، بصفتنا سوريين، إيجاد حلول لها مع الانفتاح على كل الطروحات، بغض النظر عن تخوفاتنا.
حق تقرير المصير حق أساسي لا يمكن لنا مصادرته، ولكننا جميعًا نعرف محدودية الاحتمالات في سورية، لظروف داخلية تتعلق بالوجود الكردي ذاته، وظروف خارجية متعلقة بالجوار.
بالنسبة لي، يمكن إيجاد حل للقضية الكردية عن طريق القيام بخطوات عدة، مثل إطلاق الحريات السياسية والثقافية، واتباع نوع من اللامركزية الموسعة المرسخة دستوريًا، وإنشاء غرفتين للبرلمان، تمثل إحداهما المناطق، ومثل حرية تغيير حدود المحافظات أو إنشاء محافظات جديدة تستطيع التعبير بشكل أفضل عن أولويات السكان في هذه المحافظات. طبعًا، الأهم هو تحويل سورية إلى دولة تعددية حقيقية تفخر بتنوعها وتعرّف نفسها بانتماءاتها المتعدّدة.
نحن في “حزب أحرار” نؤمن بالتعاون الإقليمي، ونرى أنّ الكرد يمكن أن يقوموا بدور فعّال، كعامل تقارب بين دول المنطقة التي يوجدون فيها، نحن بحاجة إلى التعامل مع مخاوف الكرد المحقة، وبحاجة إلى بعض الإبداع في الحلول التي نعمل عليها معًا.
لك موقف ينقد “هيئة التفاوض السورية” و”اللجنة الدستورية” وعملية التفاوض السياسية في جنيف برمتها. هل لك أن تبينه لنا، وأين يكمن الخلل، برأيك، أفي “الهيئة” و”اللجنة” أم في مسار العملية السياسية، استنادًا إلى القرارات الأممية وفي مقدّمها القرار 2254؟
المشكلة الرئيسية هي في اعتماد المفاوض على “الاعتراف الدولي” كمصدر قوة وحيد في عملية التفاوض، علمًا بأنّ هذا الاعتراف شكلي، وقد تآكل بشدّة منذ الحصول عليه. بالنتيجة، تتكون “هيئة التفاوض” و”اللجنة الدستورية” من أسماء مزكّاة دوليًا، بدلًا من أن تكون ممثلة للتنوّع السوري ولمصالح السوريين.
من الضروري لمؤسّسات المعارضة العمل الجدّي على ترميم انعدام ثقة الجمهور بها، وتجديد دماءها، والحصول على شرعية فعلية من الشارع السوري، خصوصًا في المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق، وعند سوريي المهجر، حتى تستطيع التفاوض من منطلق قوة فعلي، بدلًا من انتظار تعليمات الدول كما تفعل منظومة الحكم في دمشق.
ما المطلوب من “هيئة التفاوض” لإنجاح مسار العملية السياسية في الوقت الراهن، في ضوء التطورات التي يشهدها الملف السوري؟ ومن قبل، ما جدوى الاستمرار في العملية السياسية أمام خروقات النظام وحليفه الروسي المتكررة على الأرض؟
المطلوب هو الاعتماد على شرعية فعلية من الشارع، وإبعاد “منصة موسكو” التي تمثل مصالح روسيا ضمن المعارضة. مكان لوبي روسيا الطبيعي هو ضمن وفد النظام حتى تقوم بتغيير موقفها من دعم منظومة الحكم في دمشق. مطلوب أيضًا عمل فعّال مع وسائل الإعلام لتزويد الشعب السوري بما يحصل في كواليس المفاوضات، بشفافية.
مطلوب دور غربي لدعم انتقال ديمقراطي
هل خسرت المعارضة السياسية وبالتالي “اللجنة الدستورية” بعض أوراق القوة بعد الخسائر التي مُنيت بها المعارضة المسلّحة في إدلب، وبعد ما حققه النظام والروس من تقدّم و”انتصارات” عسكرية على الأرض؟
بعد خسائر إدلب، خسرت المعارضة ما بقي من موقعها السياسي لمصلحة الداعم التركي الذي استطاع الضغط عسكريًا وسياسيًا باتّجاه وقف إطلاق النار. هذا يضع المعارضة أمام تحدي إلغاء الفصائلية التي أثبتت فشلها، وأمام ضرورة دمج الفصائل في جسم عسكري موحّد، ومن ثمّ إنشاء نموذج حكم ناجح على الأرض يعطي المعارضة شرعية انتخابية فعلية.
بتقديرك، ما أهم إيجابيات “قانون قيصر” لجهة استهداف نظام الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين بالدرجة الأولى؟ وماذا عن التداعيات السلبية للقانون التي ستنعكس على الشعب السوري في الداخل، وبخاصّة في المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام؟
“قانون قيصر” كرّس عدم إمكانية فرض حل سياسي روسي لمصلحة بقاء الأسد في الحكم، لكن لا يمكن عدّه بديلًا عن دور غربي مطلوب لدعم انتقال ديمقراطي فعلي في المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق أولًا، وفي كل سورية ثانيًا بعد ترحيل النظام.
تعامل منظومة الحكم في دمشق مع العقوبات تلقي بمزيد من الأعباء على المواطن السوري، فخطوات مثل منع تداول القطع الأجنبي تشكّل ضغطًا إضافيًا على قطاعات حيوية كصناعة الدواء، على الرغم من استثنائها من العقوبات، وتجعل تحويل المبالغ من المهاجرين لذويهم أصعب وأكثر كلفة.
المطلوب من المعارضة السورية العمل الدائم مع الجهات الدولية لتعديل العقوبات، بحيث تخفف من تأثيرها على المواطن السوري، وفي الوقت نفسه تشدّد من تبعاتها على منظومة الحكم وداعميها الإقليميين والدوليين.
كيف قرأتَ حركة الاحتجاجات الشعبية السلمية التي شهدتها حديثًا بعض قرى ومدن سورية، وخصوصًا في السويداء ودرعا؟ وهل كنت تتوقع اندلاع مثل هذه الاحتجاجات الآن؟
هذه الاحتجاجات متوقعة ومرشحة للتزايد نتيجة عدم الرضى الشعبي عن تصرفات منظومة الحكم في دمشق، وعما أوصلت إليه البلاد، فضلًا عن الخسائر الفادحة التي تكبّدها الجميع جراء إصرار المنظومة على البقاء بالحكم بأيّ ثمن، وعدم استعدادها للقيام بأيّ تغيير في طرق عملها الأمنية والاقتصادية.
لن تتمكن منظومة الحكم الحالية من فرض سيطرتها على سورية كما كانت قبل 2011 على الرغم من إعلانها أنها انتصرت مرة بعد أخرى، والمواطن السوري العادي يعرف ذلك، وهو غير راض عما أصبحت عليه اليوم، إضافة إلى أنّ حاجز الخوف قد انكسر إلى غير رجعة.
هناك من يريد أن يطيح بتسمية “الثورة”، واستبدالَها بمسمّى “حرب أهلية” في توصيفه لما يجري في سورية. ما هي أسباب ذلك وما هي نتائجه إن تعمّم فعلًا؟
ليس من مصلحة منظومة الحكم أن تظهر كمن يقمع ثورة شعبية، ولذلك قد عملت من اليوم الأول على نعت الثورة بأنها (طائفية)، وعملت بشكل حثيث على تطييفها وعسكرتها، فمصطلح “الحرب الأهلية” يناسبها أكثر لأنه يضعها في نفس السوية الأخلاقية مع الثورة.
مع الأسف، انجر بعض المثقفين اليساريين المعارضين لهذا الطرح لأنهم رأوا أنّ الثورة مختلفة عن تخيّلهم لها، فهم يرون الثورة كعمل منظم منضبط يسير ضمن رؤاهم للتغيير، وفشلوا في رؤية الثورة كما هي عليه بصفتها انفجارًا شعبيًا غير مضبوط. ومع الأسف، حمّلوا فشلهم في تشكيل قيادة تلهم الشباب الثائر، للشباب أنفسهم وللثورة.
سورية بحاجة للامركزية موسعة
سرعان ما أصبحت الثورة في سورية عنيفة. هل كان من الضروري حمل السلاح؟ وهل سقطت اليوم كل مقاومة ممكنة لنظام بشار الأسد بعد أن استعاد السيطرة على معظم الأراضي التي حرّرتها فصائل المعارضة المسلّحة في السنوات الماضية؟
نظريًا، كان من الممكن البقاء بعيدًا عن العنف، لكن عمليًا، لا أظن أنّ منظومة الحكم تركت للشعب خيار البقاء بعيدًا عن العنف. كان رد المنظومة مفرطًا في العنف، وفي إغراق الجميع بالطائفية، وكان يتعمد تسليح الثورة ودفعها نحو التطرف.
ربما كان يمكن التخفيف من عنف الثورة لو لم تستغل دول العالم هذا العنف لخدمة مصالحها ولخوض صراعاتها. لكن في السياسة لا وجود لكلمة (ربما)، فما حصل قد حصل، وعلينا التعامل معه كما هو.
برأيك، ما خصوصية الحالة السورية التي أدّت إلى إطالة أمد الأزمة؟ ولماذا تُركت سورية لهذا المصير المرعب؟ ولماذا لم تجتمع الإرادة الدولية بعدُ على تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بالقضية السورية، وعلى رأسها وثيقة جنيف وقرار مجلس الأمن 2254؟
أظن أنّ هذا عائد لعوامل عدة، منها دور منظومة الحكم الوظيفية التي خدمت القوى الكبرى، -وهذه القوى بحثت عن منظومة خدمية بديلة، ولم تجدها في الثورة السورية- ومنها الصراعات الإقليمية وسعيها لتحقيق مكاسب في سورية عن طريق دعمها لأطراف مختلفة في المنطقة، ومنها أيضًا المصلحة الإسرائيلية في استمرار الصراع ومنع بروز سورية قوية وديمقراطية في الوقت نفسه، ومنها الاستنزاف الأميركي لكل قوى المنطقة، والعجز الأوربي عن أداء دور موحد وفاعل. مع الأسف، اجتمعت كل هذه العوامل على الشعب السوري الذي يدفع ثمن عدم الرغبة الدولية الحقيقية بالحلّ.
هل يمكن اليوم لقوى المعارضة السياسية استعادة زمام الأمور عبر التعويل على الشعب السوري كاملًا، والعمل على تحقيق آماله وتطلعاته، بعد أن سُلمت سورية للقوى الإقليمية والدولية، وصارت ساحة صراع وتفاوض بين هذه القوى التي أثبتت الوقائع أنّ آخر اهتماماتها مصلحة السوريين والوصول بهم إلى بر الأمان؟
يمكن للمعارضة السورية العمل على طرح نموذج إيجابي على الأرض السورية طالما بحث عنه السوريون. هذا النموذج لا يمكن أن يحصل بمعزل عن الشرعية الشعبية، وعن إيجاد تقاطعات مصالح مع بعض القوى الدولية والإقليمية الموجودة على الأرض السورية. في لقاءات لـ “حزب أحرار” مع قوى سياسية سورية معارضة ومع “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” طرحنا ضرورة بروز قيادة سياسية منتخبة من المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام، وضرورة بناء نموذج ديمقراطي ضامن للحريات في هذه المناطق، وضرورة بناء سلطة القانون. مثل هذا النموذج هو الذي يمكن له أن يطرح بديلًا قويًا عن سلطات الأمر الواقع التي تتشابه في بنيتها الاستبدادية، ومثل هذا النموذج هو الذي يمكن له أن يعطي الأمل للسوريين بإمكانية وجود مستقبل أفضل.
أعلنت مجموعة من مختلف مكوّنات الشعب السوري، في نهاية أيلول/ سبتمبر 2019، مبادرة باسم “إعلان سوريا الاتّحادية”، بهدف إطلاق مشروع وطني جامع. كان الهدف منها الإعلانَ الفوريّ عن قیام (الجمهورية السورية الاتّحادية)، من دون انتظار سقوط نظام الأسد، وذلك بالبدء بالتوافق على إعلان دستوري يُصاغ من قِبل فقهاء قانونيين متخصصين، ويبدأ تطبيقه على الأراضي التي تحكمها قوى الثورة بحواملها المدنيّة والسياسيّة، بعد إلغاء جميع القوانين التي وُضعت في عهد الأسدين (الأب والابن)، وتضمنت تقييد الحريات العامّة والنيل من كرامة المواطن وقيمه. سؤالي: لماذا لم ترَ هذه الخطوة النور على أرض الواقع، وما العراقيل التي واجهتها المجموعة، وأدّت إلى وأد هذه المبادرة؟
برأيي، كانت هذه المبادرة متسرعة وتطرح نموذجًا أحاديًا لحل غير نابع من الاحتياجات الفعلية للسوريين. سورية بحاجة للامركزية موسعة، لكن ربما ليس إلى مستوى الفدرالية.
وهذا المقترح -وقد تمّ طرحه بتقسيم سورية إلى مناطق جغرافية للشمال والجنوب والشرق والغرب والوسط- لم يقدّم الحلول للقضية القومية الكردية التي تطرح قواها السياسية الحلّ الفدرالي.
برأيي، نحن -بصفتنا سوريين- بحاجة إلى نقاشات أوسع حتى نستطيع تقديم حلول ناضجة للقضايا الإشكالية الموجودة وليس المتخيلة.
مخاوف كبيرة من الإسلام السياسي
ترى أن سورية تشهد صراعًا منذ بناء الدولة، بين قوى الإسلام السياسي والقوى العلمانية، حول دور الدين في الدولة، واليوم يقف معظم السوريين عند مفترق طرق متسائلين عن الحلول أو الصيغ الممكنة بين مقولتي “الإسلام هو الحل” و”العلمانية هي الحل”. اسمح لي أن أسألك عن رأيك في هذه المسألة، وأنت الداعي في هذا السياق إلى “حيادية الدولة”؟
أظن أنه لدينا أزمة مصطلحات في سورية، فكما يتمّ ربط العلمانية بالدعوة للإلحاد لدى البعض، يتمّ ربط الإسلام بالتطرف لدى البعض الآخر.
نحن بحاجة إلى دولة تُعنى بشؤون الدنيا وتترك قضايا الدين والإيمان للمواطن ليمارسها كما يرى. دور الدولة والقانون هو حماية الجميع وحماية حرياتهم، وليس فرض قيم مجموعة ما على بقية المواطنين.
أحلم بحكومات في سورية تُعنى بتأمين فرص العمل والتعليم والصحة والسكن والغذاء، وتترك للمواطن اختيار دينه ومذهبه، وتحديد رغبته في دخول الجنة.
ألا تخشى القوى العلمانية الديمقراطية السورية من الإسلام السياسي بعد سقوط النظام؟ وكيف تنظر إلى التحديات التي تطرحها القوى الإسلامية الراديكالية تجاه عملية الانتقال نحو الديمقراطية في سورية؟
هنالك مخاوف كبيرة من الإسلام السياسي بشكله الحالي، وخصوصًا أنّ من يتبعوه يؤمنون بحقهم في فرض رؤيتهم على الشعب السوري، ونراهم في كثير من الأحيان يفترضون وجود مجموعة قيميّة وفكرية موحدة لدى الشعب السوري.
سورية دولة تعددية دينيًا وقوميًا وفكريًا، وليس من المنطق اختزال هذا التنوّع برؤية أحادية الطابع.
بعض قوى الإسلام السياسي، تحت ضغط الواقع، ونتيجة التجارب الفاشلة على الأرض، بدأت بالتحوّل لتصبح قوى سياسية محافظة تقبل بالتعدّدية والديمقراطية، وهذا صحي، فلا أظن أن من الواقعية تصور حياة سياسية من دون هذه القوى، ولكن من الممكن تصور وجود نسخ أكثر عصرية منها، تخوض الحياة السياسية إلى جانب القوى الأخرى.
ما تقييمك للجهود التي تبذلها منظمات المجتمع المدني السورية المعارضة في سياق دعم الثورة والوصول بالبلاد إلى حالة استقرار، وما الذي ينقصها لتكون أكثر فاعلية؟
ساهمت منظمات المجتمع المدني السورية مساهمة كبيرة في بناء الوعي، وفي تأمين كثير من احتياجات الشعب السوري، وفي إيصال صوت السوريين للعالم. لكنها، مع الأسف، أعطت لكثير من الشباب الشعور الخادع بأنّ العمل المدني كاف بعيدًا عن الأحزاب والسياسة، حتى عندما حاولوا العمل في السياسة قاموا بذلك عن طريق استخدام أدوات المجتمع المدني بدلًا من أدوات السياسة، وهذا ساهم في ترك فراغ كبير في الساحة السياسية. حاليًا، بدأ الشباب، ولو متأخرًا، بدخول ساحة السياسة. برأيي، تكامل العمل السياسي والمدني هو ما ينقصنا في سورية، وهذا قد يتحقق قريبًا.
طُرحت صيغ عدة لمستقبل سورية في وقت مبكر من عمر الثورة السورية، تتراوح -كما ذكرت في مقالة لك عام 2013- بين التقسيم الكامل لعدة دويلات والمحافظة على دولة مركزية تبقى فيها كل القرارات في دمشق. بين هذين الحلّين تتعالى أصوات تطالب بالفيدرالية، وأخرى تقبل باللامركزية الإدارية على مضض، كوسيلة لتجاوز أخطار التقسيم. الآن بعد كل هذه السنوات، بتقديرك، ما شكل النظام السياسي الذي يصلح لسورية المستقبل بعد آل الأسد؟
أظن أننا بحاجة إلى حالة وسط بين اللامركزية الإدارية التي يستطيع المركز مصادرتها في أيّ وقت، والفدرالية التي هي لا مركزية سياسية تضعف المركز كثيرًا، نطلق على عليها اللامركزية الموسعة، لكن التوافق على تفاصيلها بحاجة إلى حوارات سورية – سورية.
طرحنا في “حزب أحرار” فكرة أنّ حدود المحافظات ليست مقدسة، وأنه يجب أن يكون بإمكان المواطنين السوريين تغيير حدود محافظاتهم، حتى إنشاء محافظات جديدة أو دمج بعض المحافظات -كما ذكرت سابقًا- ويكون ذلك، طبعًا، ضمن آليات ديمقراطية. وتوزيع الصلاحيات بين المركز والأطراف يجب أن يكون منصوصًا عليه دستوريًا حتى لا يتمكن المركز من مصادرته في وقت لاحق. وإن أرفقنا ذلك مع ضمان تعدّدية الدولة السورية، ومع إعطاء الثقافات واللغات مساحتها التي تستحقها في الممارسة والتعليم ومعاملات الدولة، قد نستطيع تقديم حلول جيدة لكثير من القضايا العالقة.