الدور الأقصى لتدخل الدولة في السياسات الاجتماعية من منظور الليبرالية الاجتماعية (عدا حالات الطوارئ)

المقدمة:

 تعتمد الليبرالية الاجتماعية على التوازن بين حقوق الأفراد ومسؤوليات الدولة في توفير الحماية والرفاه الاجتماعي. يركز هذا الفكر على أهمية الحرية الفردية وتمكين المواطنين من تحقيق إمكاناتهم، ويقر أيضاً بدور الدولة في تصحيح الفجوات الاجتماعية وتحقيق العدالة الاجتماعية.

 تهدف هذه الورقة إلى تحديد الدور الأقصى لتدخل الدولة في المجالات الاجتماعية، مع التركيز على الأمن والسياسات الصحية والتعليمية والبيئة والإنماء المحلي والسياحة والخدمات المحلية.

 لأنّنا نتبنّى الليبرالية الاجتماعية فإنّنا -في حزب أحرار- نتبنّى توجّهاً   يوازن بين حقوق الأفراد وبين مسؤوليات الدولة في توفير الحماية والرفاه الاجتماعي بما يحافظ على الحريّة الفرديّة للإنسان السّوري، ويمكّن المواطنين من تحقيق مصالحهم المشتركة، ويؤكّد على دور الدولة في تصحيح الفجوات الاجتماعية لتحقيق العدالة الاجتماعية.

 تهدف هذه الورقة إلى تقديم تصوّر عن الدور الأقصى لتدخل الدولة في المجالات الاجتماعية، مع التركيز على الأمن والسياسات الصحية والتعليمية، والبيئة والإنماء المحلي، والسياحة والخدمات المحلية. أولاً: المبادئ الأساسية للسياسات العامة في حزب أحرار:

 1.   حرية الفرد -استقلاله- مقابل دور الدولة والحكومة في تمكين الأفراد من اتخاذ قراراتهم الخاصة في الحياة وتحمّل الأفراد مسؤولياتهم تجاه قراراتهم الفرديّة، وإطلاق طاقاتهم الإبداعيّة مع توفير الدعم الضروري للذين يحتاجونه؛ لضمان استفادة الجميع من الفرص المتاحة.

 2.   فتح الأفق أمام الطّاقات المبدعة مع ضمان العدالة الاجتماعية والإنصاف: إذ يعتقد حزب أحرار بأن السّوريّ الفقير ليس حراً، وعليه فإنّ حزبنا يعتقد أنّ من مهام الدولة ضمان تأمين فرص متساوية أمام جميع السّوريين، وتحقيق عدالة في توزيع الموارد، مع التركيز على حماية الفئات الضعيفة والمهمشة.

 3.   المسؤولية المشتركة: تركز سياساتنا العامة -في الحزب- على عقد توازن دائم بين المسؤولية الفردية وبين الدور الحكومي، عبر تشجيع اعتماد الأفراد على أنفسهم مع توفير شبكات الأمان الضرورية.

 ثانياً: حدود التدخل الحكومي:

 يؤكّد حزبنا على أهميّة التدخل الحكومي لتصحيح فشل السّوق، وعلى دور المؤسّسات الحكوميّة في توفير السّلع الأساسيّة وحماية الأفراد من الاستغلال. بالمقابل فإنّ الحزب يفضّل وضع قيود على تدخّل المؤسّسات الحكوميّة لضمان عدم انتهاك تلك التدخّلات للحريات الفردية، وأن لا يساهم التدخّل في إنتاج حكومة متسلطة.

 1.   مبدأ التدخل عند الضرورة: حيث يدعم حزب أحرار التدخّل الحكومي بأدنى مستوى ممكن من السلطة؛ وذلك عندما تكون المبادرات الفردية أو بنى الحوكمة المحلية غير كافية لمعالجة مشكلة معينة. على سبيل المثال: في مجالي الصحة والتعليم، يجب أن تتدخل الدولة فقط عندما لا تستطيع المبادرات الخاصة أو بنى الحوكمة المحلية توفير الخدمات الكافية.

 2.   التناسب: أن يكون التدخل الحكومي متناسبًا مع حجم المشكلة التي يسعى التدخّل إلى حلها، مع تجنب التنظيم المفرط أو غير الضروري. على سبيل المثال: في سياق الصّحّة يمكن دعم توفير التأمين الصحي العام لضمان التغطية الصحية الأساسية؛ مع السماح لمقدمي الخدمات الخاصة بتقديم خدمات إضافية.

 3.   التمكين مقابل السيطرة: يدعم حزب أحرار أيّة سياسات حكومية تمكّن الأفراد من حلّ مشكلاتهم.. بدلاً من السيطرة عليهم.

 4.   المرحلية والتكيف: أن يكون التدخل الحكومي مؤقتاً وأن يتغير حسب السياق بما يخدم تقليل الحاجة إلى التدخلات فلا تصبح الدولة جزءًا دائمًا من حياة المواطنين؛ بل مسهلاً لتطورهم واستقلالهم.

 5.   الكفاءة والاستدامة: يجب أن تكون التدخلات الحكومية مصمّمة لتكون فعّالة ومستدامة، من الناحية المالية، على المدى الطويل. وهذا يعني أن السياسات يجب أن تعالج الاحتياجات الفورية مع النظر في التأثيرات الاقتصادية على المدى الطويل وتجنب خلق اعتمادات قد تثقل كاهل الأجيال القادمة.

 ثالثاً: التحديات التي يجب التعامل معها:

 دخلت سوريا في حرب طويلة، ويواجه السّوريّون في الوقت الحالي الكثير من التحديات؛ منها:

 1- أزمة المفاهيم العامة غير الصّائبة: في اعتبار الدولة أداة للتحكم  والسّيطرة، وممارسة السّلطة المطلقة؛ ما يتيح للمسيطر على مؤسّسات الدولة توهّم مشروعيّة فرض مفاهيم وآليات عمل جمعية؛ لذلك يعتقد حزب أحرار أنّ من أولويّاته العمل على تغيير منظومة الوعي المشوّه هذه، لصالح دعم استقلال الفرد، ودعم مفهوم السّلطة الشرعيّة بأدوات ديمقراطيّة، حيث تنبثق السّلطة الشرعيّة من تفويض الفرد ومجموع الأفراد لها، فتتولّى السّلطة الشرعيّة المنتخبة مهمّة حماية حريّة الفرد، وحقوقه في التمايز والعمل والحصول على ثمرة جهده.

 2- دمار البنى التحتية: في وقت يشهد عدم توفر الموارد اللازمة لدى الدولة لإعادة إعمار تلك البنى؛ ما يستدعي ضرورة تشجيع الاستثمارات الخاصة في القطاعات التي كانت تعتبر قطّاعاً عامّاً تتولّى الدولة بمفرها احتكار العمل لصالحه!

 3- الفساد: المرتبط بشكل رئيسي بعمل مؤسسات الدولة وتضخم الكوادر الإدارية. وهذا يتطلب تخفيف دور الدولة وتبسيط الإجراءات البيروقراطية والاكتفاء في الكثير من الأحيان بالدور الرقابي والتحفيزي.

 في سياقات متوازية تراعي العلاقة الصحّيّة بين الحرية الفردية وبين دور المؤسّسات المجتمعيّة والحكوميّة، بما يدعم حريّة الأفراد ويضمن العدالة الاجتماعية؛ فإنّ السّياسات العامة لحزب أحرار تستند إلى الليبراليّة الاجتماعيّة؛ حيث تلعب الدولة -بحسب رؤية الحزب لسياساته العامّة- دورًا حيويًا في ضمان توفير الخدمات الأساسية وتحقيق الإنصاف، مع تشجيع المشاركة الفردية والمجتمعية. بما يضمن دوراً متوازناً وفعّالاً لمؤسّسات الدولة في سبيل تحقيق الرفاه الاجتماعي والتنمية المستدامة دون السّماح بانزلاق ذلك الدور إلى مغبّة التسلّط على المواطنين السّوريين.